الكرة القاتلة
بقلم إدريس شحتان
لم يعد ممكنا السكوت عن واقع كرة القدم في المغرب، أو حتى غض الطرف عنه، مادامت ملاعبنا الكروية تفرخ مشجعين اندفاعيين، متهورين، تواقين إلى رؤية الدم، أكثر من مشاهدة الفرق التي يحبونها في مدرجات أضحت للأسف أشبه بحلبة مصارعة التيران، إن لم تخلف ضحية بطعنة قاتلة من "ثور هائج"، ترسله على الأقل معطوبا إلى المستشفى، حاملا معه عاهة مستديمة، هذا إذا لم ترسله إلى "بوغمغم" الذي يعج الآن بـ"مصارعين" لم تجف أيديهم بعد من دماء الاقتتال.
وليس عجبا أن أصف بعض الأنواع من المشجعين للأندية المغربية بالمصارعين، ماداموا يصارعون كل شيء من أجل اقتحام الملاعب، دون المرور من الشبابيك التي تعد "تيرمومترا" حقيقيا لقياس درجة حب المشجعين لفرقهم بالبطولة الوطنية، حتى وإن لم ترقى بعد لأن تكون احترافية، هذا مع العلم أن كثيرا من الأشياء يتم تهريبها عبر الشبابيك إلى داخل الملاعب.
للأسف لم تعد مدرجاتنا تنتج المتعة في بعدها الرياضي النبيل، ولم يعد بمقدورها صناعة الفرح في نفوس عشاق الكرة، بل لم تعد في استطاعتها تحرير الضغط النفسي، من خلال التفاعل التلقائي للجماهير مع هذا الهدف أو تلك التمريرة الرائعة أو ذاك التسلل الواضح.. لقد أضحت تنتج الموت بين مباراة وأخرى، وتخلف ضحايا بالعشرات عند كل احتكاك بين المشجعين، وفوق ذلك أصبحت هذه المدرجات تقتل اللعبة بالتسلسل، مادامت الأساليب نفسها التي يستعملها صناع الشغب في القتل تتكرر بالطريقة نفسها، والإمعان نفسه في زهق الأرواح.
للأسف لم تعد مدرجاتنا تنتج المتعة في بعدها الرياضي النبيل، ولم يعد بمقدورها صناعة الفرح في نفوس عشاق الكرة، بل لم تعد في استطاعتها تحرير الضغط النفسي، من خلال التفاعل التلقائي للجماهير مع هذا الهدف أو تلك التمريرة الرائعة أو ذاك التسلل الواضح.. لقد أضحت تنتج الموت بين مباراة وأخرى، وتخلف ضحايا بالعشرات عند كل احتكاك بين المشجعين، وفوق ذلك أصبحت هذه المدرجات تقتل اللعبة بالتسلسل، مادامت الأساليب نفسها التي يستعملها صناع الشغب في القتل تتكرر بالطريقة نفسها، والإمعان نفسه في زهق الأرواح.
إن مدرجات تنتج القتل وتفرز الألم وتخلف أعطابا نفسية عميقة في "ذوي القربى" جديرة بأن تقفل، أو على الأقل أن تُحوَّل إلى مجازر للمدن، مادامت تُخرج بين فينة وأخرى قتلى مدرجين في دماء الغدر، لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا أن يقتسموا مع الجماهير متعة اللحظة وشغف صناعة الفرجة في المدرجات...
فما الذي يجري في ملاعبنا الكروية؟ أي متعة هاته التي تخلف عند كل "فيراج" أو "دوبل فيراج" كروي قتلى وضحايا بالعشرات؟ وأي سياسة كروية هاته التي تمعن في صناعة العنف دون أن يجرأ أصحابها على وأد ظاهرة الشغب من جذورها؟
بالأمس، لفظ ثلاثة شبان أنفاسهم الأخيرة خلال المباراة التي جمعت فريقي الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، في ما بات يعرف بـ "الحرب الأهلية الرجاوية"، فيما تركت خلفها عشرات الجرحى وعائلات مكلومة تلعن في قرارة نفسها "ذاك للي ختارع الكرة فالنهار اللول". لذلك، عندما تصبح مركباتنا ومدرجاتنا تخلف قتلى وجرحى، فما علينا إلا أن نقرأ الفاتحة ترحما على الرياضة المغربية عموما، وكرة القدم بشكل خاص.
فلنكن صرحاء.. إننا نفتقر إلى مستوى كروي جيد جدير بالمتابعة، ولا نتوفر على أندية في المستوى الذي نتوق إليه كعشاق للعبة، ولا نمتلك منتخبا وطنيا "كيحمَّر لوجه". لكن في المقابل لدينا جمهور كروي يتفاعل بوجدانه مع اللعبة، ويحضر بثقله لصناعة الفرجة في المدرجات حين تغيب عن المستطيل الأخضر، غير أن التأطير والتوجيه ينقص هذا الجمهور مع كامل الأسف.. لقد انبهرنا كمغاربة، آباء وأمهات وأسرا، سياسيين وفاعلين وإعلاميين مع تلك "التيفوهات" الرائعة التي تنبت فجأة من عمق المدرجات، وكم فرحنا بامتلاكنا جمهورا كنا نعتقد أنه مرآتنا، وسفيرنا في القنوات الفضائية التي تنقلنا إلى العالم بألواننا الطبيعية، لكن اكتشفنا في "الوقت الميت" أن ضمن هذا الجمهور، هناك قطاع طرق وأباطرة "الكريساج" وبزناسة مخدرات وسفاحون مندسون في ما يسمى بـ"الإلترات".
اليوم قتل ثلاثة مشجعين بالمدرجات، وقبلهم قتل آخرون في وقائع متفرقة من عمق الملاعب، وبين هؤلاء الضحايا، هناك من فقد عينه ويده ورجله وربما حتى أشياء أخرى لا يسمح المجال بذكرها الآن، ما يترك انطباعا عاما على أن الأمر يتعلق كأنها حرب ممنهجة وليس بواقع رياضي، للأسف يفتقد للروح الرياضية..
بالأمس، وأنا أتابع الأخبار القادمة من مركب محمد الخامس، قفز فجأة خبر انفجار إرهابي بتركيا، مخلفا أربعة قتلى، وفي الوقت نفسه خلف المركب الرياضي محمد الخامس ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى.. إنها مقاربة موضوعية مع وجود الفارق.. لكن علينا الاعتراف أننا أصبحنا نعيش إرهابا رياضيا خطيرا، يهدد الأرواح والأبدان والمتاع وربما أي شيء يتحرك في المدرجات.
الآن تم توقيف جماهير الرجاء من متابعة المباريات لأكثر من خمس دورات، ليس عقابا للجماهير كما قد يعتقد البعض، وإنما حمايتهم من أي تهور قد يمعن مرة أخرى في التقتيل.. كما ينبغي إعادة النظر في "الألترات" بكل جدية وصرامة أيضا، فأنا لا أتحدث هنا عن مدى قانونيتها من عدمه، ولا أسعى إلى تجريمها أو توريطها في الدم، ولا أقارنها بجمعية المحبين التي تحتفظ في جيبها بقانونية الاشتغال، فقط أنبه إلى مدى خطورة هذه الألترات حين تستوعب المندسين من "حملة السلاح" ومروجي عبارة "سير تخيَّط"، وبالتالي وجب على المسؤولين الغيورين على كرة القدم في البلاد تطوير هذه الألترات، وتأهيلها حتى تصبح منتجة للمتعة وليس للعنف والدم. كما ينبغي على الدولة التعامل بحزم وصرامة أيضا من أجل منع تنقلات الجماهير، مادامت تكرس أزمة الشغب في الملاعب والمدن التي تحتضنها.
إن الحل في تجاوز هذه الأزمة بعد التعامل الاستعجالي الصارم معها، ينطلق أساسا من تلك الأسرة التي تسمح لابنها القاصر بمرافقة الكبار للتوجه إلى الملاعب، وأيضا من المدرسة التي تطبّع مع حديث التلاميذ عن "بطولاتهم" في المدرجات، ومن المجتمع الذي للأسف مازال فيه من يتفاعل إيجابيا مع "الهوليكانز". كما أن الحل يكمن أيضا في الأندية والجامعة التي لم تقو إلى حدود الآن على وأد الظاهرة من جذورها.. والوزارة الوصية التي لم تستطع لحد الآن التطبيق الفعلي لقانون 09-09 لمكافحة الشغب، رغم أنه دخل حيز التنفيذ منذ 2011... كل هؤلاء مسؤولون اليوم عما يجري في "ملاعبنا الدموية"، لذلك ينبغي على كل هذه المكونات أن تخلخل المفاهيم من أسسها، حتى تعيد الروح المفقودة إلى المدرجات، وأن تخلق مصالحة كبرى للجماهير مع أنديتها، حتى يصبح بإمكان ذاك الأب وتلك الأم أن يصطحبهما أبناؤهما في "الويكاند" للملاعب لتغذية نهمهما الكروي، وأن يتوجه ذاك الزوج مع زوجته إلى هذا المركب أو ذاك، دون أن يسمع كلمة تخدش الحياء، أو يضرب ألف حساب، ليس خوفا على روحه فحسب، وإنما على زوجته.. لأنه إذا استمر الحال على ما هو عليه، سوف نصل إلى مستوى آخر هو "غفل طارت مرتك".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire